«نيويورك تايمز»: ترامب يقلّص الجيل القادم من علماء وقادة الصحة العامة

«نيويورك تايمز»: ترامب يقلّص الجيل القادم من علماء وقادة الصحة العامة
قرارات تسريح واسعة شملت المئات من الباحثين والعاملين

نفّذت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرارات تسريح واسعة شملت المئات من الباحثين والعاملين في قطاع الصحة العامة، ما أثار مخاوف بشأن قدرة البلاد على مواجهة الأوبئة والأزمات الصحية مستقبلاً.

وكشف تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، أن قرابة 1200 موظف في المعاهد الوطنية للصحة فقدوا وظائفهم، بينهم عدد كبير من الباحثين الشباب الذين كانوا على وشك تولي مسؤوليات أكبر في مجالاتهم.

شملت التخفيضات أيضاً المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC)، حيث تم إلغاء برنامجين تدريبيين رئيسيين كانا يهدفان إلى إعداد كوادر جديدة في قطاع الصحة العامة وعلم المختبرات.

رسائل إنهاء الخدمة

تلقى العديد من العلماء والأطباء والمتخصصين في الصحة العامة رسائل إلكترونية مفادها أن خدماتهم لم تعد مطلوبة، جاءت هذه الإخطارات كجزء من خطة ترامب لتقليص حجم القوى العاملة الفيدرالية، ما أدى إلى فقدان آلاف الموظفين المدنيين وظائفهم في الأيام الأخيرة.

حاول بعض العاملين في القطاع الصحي الاستفسار عن أسباب إنهاء خدماتهم، إلا أن الردود جاءت موحدة ومقتضبة، تفيد بأن "قدراتهم ومعرفتهم لا تتناسب مع احتياجات الوكالة"، وأكد العديد من المفصولين أن أداءهم كان محل إشادة من رؤسائهم، ما جعل قرارات الفصل تبدو صادمة وغير مبررة.

وحذّر خبراء صحة من تداعيات هذه التخفيضات على قدرة الولايات المتحدة في التصدي للأوبئة مستقبلاً، وأوضح مسؤولون في المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض أن هذه القرارات تأتي في وقت تواجه فيه البلاد مخاطر انتشار سلالة جديدة من إنفلونزا الطيور، التي تسببت مؤخراً في أول حالة وفاة مؤكدة في الولايات المتحدة.

فيما نجا برنامج "خدمة الاستخبارات الوبائية" (Epidemic Intelligence Service)، الذي يضم فرقاً متخصصة في تتبع انتشار الأمراض، من هذه التخفيضات بعد احتجاجات من خريجيه، إلا أن خسارة برامج تدريبية أخرى أثارت مخاوف حول غياب الكفاءات القادرة على الاستجابة السريعة للأزمات الصحية.

إدانات من خبراء ومسؤولين سابقين

انتقد عدد من المسؤولين السابقين في قطاع الصحة هذه التخفيضات، معتبرين أنها تمثل تهديدًا خطيرًا للأمن الصحي الوطني، وأصدر 8 مسؤولين كبار، بمن فيهم رؤساء سابقون للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والمعاهد الوطنية للصحة وإدارة الغذاء والدواء، بياناً مشتركاً أدانوا فيه عمليات التسريح، مؤكدين أنها تعرض جهود مكافحة الأمراض والأوبئة للخطر.

وذكر البيان أن "هذه التخفيضات لا تعني فقط فقدان وظائف، بل تعني فقدان المعرفة والخبرة الضروريتين لحماية الصحة العامة"، مضيفا أن العديد من المشاريع البحثية المهمة، مثل تلك المتعلقة بمكافحة المواد الأفيونية وتحسين الرعاية الصحية للمجتمعات الريفية، قد تتعطل نتيجة فقدان الكفاءات العلمية.

وأثارت هذه القرارات قلقاً واسعاً بين طلاب الدراسات العليا الذين يطمحون للعمل في قطاع الصحة العامة، وقال الدكتور مايكل أوستيرهولم، مدير مركز أبحاث الأمراض المعدية بجامعة مينيسوتا، إن الطلبة باتوا مترددين في اختيار مسار مهني في الصحة العامة بسبب الغموض الذي يحيط بمستقبل التوظيف في هذا المجال.

وأضاف أوستيرهولم: "لقد تحدثت صباح اليوم مع أكثر من 40 طالب دراسات عليا، وكلهم يشعرون بعدم اليقين بشأن مستقبلهم المهني، هل ستظل هناك فرص للعمل في قطاع الصحة العامة؟ هل سيكون هناك تمويل للبحث العلمي؟ هذه أسئلة لم يكن أحد يتوقع أن يطرحها قبل سنوات قليلة".

إدارة ترامب تبرر القرارات

أكد المتحدث باسم وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، أندرو نيكسون، أن هذه التخفيضات تأتي ضمن جهود الإدارة لإعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية وتحسين كفاءتها، وأضاف أن الوزارة تعمل على "ضمان تقديم خدماتها بأعلى المعايير وأكثرها كفاءة".

لكن التخفيضات لم تقتصر على الموظفين الجدد فقط، بل طالت أيضاً مسؤولين بارزين في إدارة الغذاء والدواء والمعاهد الوطنية للصحة، كما أثيرت مخاوف من أن وزير الصحة الجديد، روبرت كينيدي جونيور، المعروف بتشكيكه في اللقاحات، قد يتخذ قرارات أكثر صرامة تجاه موظفي القطاع الصحي.

وتعرض برنامج "خدمة قيادة المختبرات"، وهو أحد البرامج التدريبية المرموقة في المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض، لضربة كبيرة، حيث تم تسريح 20 من أصل 24 زميلاً مشاركاً فيه، بينما تم الاحتفاظ بأربعة فقط.

وأوضح الدكتور مايكل إيدماركو، أحد مؤسسي البرنامج، أن هذا القرار سيترك فجوة خطيرة في مجال البحث العلمي، وقال: "الجميع يركزون على أن خدمة الاستخبارات الوبائية نجت، لكن لا أحد يتحدث عن الضرر الذي لحق ببرامج التدريب الأخرى، لقد خسرنا جيلاً كاملاً من الباحثين الواعدين، وهو ما قد يؤثر سلباً على مستقبل الصحة العامة في البلاد".

خسائر تمتد لجميع التخصصات

لم تقتصر التخفيضات على العلماء ومحققي الأمراض، بل شملت أيضاً إداريين يشرفون على منح البحث العلمي، ومحللين يعملون على وضع استراتيجيات لخفض تكاليف الرعاية الصحية، ومهندسين يعملون على تحسين أنظمة البيانات الصحية.

عبرت أرييل كين، التي كانت تعمل على مشروع لتحسين صحة الأمهات ضمن برنامج "ميديكيد"، عن صدمتها بعد تلقيها رسالة فصلها رغم تأكيد مديرها السابق أنها كانت تقدم عملاً متميزاً.

وقالت كين: "كنت أعمل في مشروع مهم لإنقاذ حياة الأمهات، وفجأة تلقيت إشعاراً بأن أدائي لم يكن كافياً، هذا غير منطقي، ويضر بالصحة العامة في البلاد".

مستقبل الصحة في خطر

أعرب مسؤولون صحيون عن قلقهم من أن هذه التخفيضات ستؤثر سلباً على قدرة الولايات المتحدة على مواجهة الأزمات الصحية في المستقبل، ومع تزايد المخاوف من تفشي أوبئة جديدة، يرى الخبراء أن فقدان هذه الكفاءات قد يجعل الاستجابة لأي أزمة صحية أكثر صعوبة وتعقيداً.

في ظل هذه التطورات، يبقى التساؤل قائماً حول ما إذا كانت هذه القرارات ستساعد في "إعادة هيكلة الحكومة" كما تزعم الإدارة، أم أنها ستؤدي إلى إضعاف منظومة الصحة العامة، وترك البلاد مكشوفة أمام تهديدات وبائية محتملة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية